الجمعة، 9 مارس 2012



السلوك القيادي وفاعلية الإدارة
مدخل لدراسة القيادة الإدارية في مجال التربية
دكتور
مجدي محمد يونس
                                                                                             
تمهيد:
 تدل الكثير من التجارب التنموية لكثير من دول العالم على أن تحقيق التقدم والتطور وتحقيق التنمية لم يعد يتوقف على ما تملكه هذه الدول من موارد طبيعية وعناصر إنتاجية فحسب ، بل يتوقف أيضا على المستوى العلمي والمهاري لقوة الأيدي العاملة  التي تمتلكها والتي تمكنها من استيعاب وملاحقة التطورات والتغيرات السريعة لفنون الإنتاج الحديثة ،كما تدل إحصاءات كثير من الدول المتقدمة على أن القسم الأكبر من دخلها لا يعود فقط إلى توفر الموارد الطبيعية الأولية ولكن يعود في المقام الأول إلى نوعية الموارد البشرية التي تمتلكها والتي أسهم التعليم والبحث العلمي في إعدادها وتدريبها وتحسين أدائها ، وهذا الأمر يؤكد على أن التربية والتعليم بصفة عامة يسهمان في تحقيق التنمية والمحافظة عليها واستمرارها .

وإذا كان هذا الأمر يصدق على الدول المتقدمة فإن التعليم يمثل أهمية خاصة للدول النامية حيث يعد العنصر البشري من أهم العناصر التي يمكن أن تسهم في زيادة الإنتاجية وتحقيق أهداف التنمية ، وهذا العنصر البشري لن يستطيع أن يؤدي دوره في تحقيق التطور والتنمية ما لم يتوفر له تعليم يجعله عنصر تقدم ونمو بدلا من أن يكون عنصر جمود وتخلف ، خاصة وأن العصر الذي نعيشه الآن هو عصر يختلف كثيرا عن العصور الذي سبقته ،فمنذ النصف الثاني من القرن العشرين ومع مطلع الألفية الثالثة أصبحت هناك حضارة جديدة تعرف ( بحضارة عصر المعلومات ) وهي حضارة تحتاج إلى عقلية جديدة تستطيع أن تتعامل معها ، ومن ثم فهي تحتاج إلى تربية جديدة وتعليم جديد يتناسب مع هذا العصر الذي أصبح يتسم بأنه عصر الإنتاج الضخم من المعرفة بعد أن كنا نعيش بالأمس عصر الإنتاج الضخم من السلع المادية وأصبح مصدر القوة الجديد هو المعرفة في يد الكثرة بدلا من الأموال في يد القلة .

إن هذا العصر الذي نعيش اليوم في معطياته يفرض على التربية مطالب وتحديات جديدة ويضعها أمام واقع سريع التغير وهذا هو التحدي الذي يواجه التربية ويواجه التعليم ، ويجعل الدول المختلفة سواء المتقدمة منها أم النامية أم المتخلفة تسعى من أجل تحقيق التطوير التربوي الذي يهدف إلى رفع كفاءة المؤسسات التعليمية ويجعلها قادرة على توفير الكوادر التي تسهم في تحقيق التطور والتقدم والقادرة على الوفاء بمتطلبات التنمية الشاملة. ويفسر تطوير المؤسسات التربوية على أنه : تلك الجهود التي تبذل بغرض تطوير قدرات المنظمة التعليمية لتكون قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة ومعالجة القضايا التنظيمية وإيجاد العلاقات المتوازنة بين المنظومة التربوية والبيئة ، عن طريق الاستفادة من العلوم والمعارف المختلفة .

وعادة ما يعبر عن التطور في المجال التربوي بأنه ( مجموعة الجهود المخططة التي تمتد إلى جميع مستويات المؤسسات التعليمية بهدف زيادة فعاليتها ورفع كفاءتها ) وبشكل عام فإن تطوير المؤسسات التعليمية هو عبارة عن جهود مخططة تهدف إلى إيجاد المناخ الذي يساعد على تغيير سلوك الأفراد والجماعات وتحسين الأساليب الإدارية والفنية التي تؤدي في النهاية إلى تحقيق التطوير المنشود .

والمؤسسات التربوية وفقا لمفهوم التطوير الذي أوردناه سلفا تعتبر ميدانا واسعا وخصبا لإحداث التغيير والتطوير والتجديد الذي يمتد ليشمل جميع مراحل التعليم باعتبار أن التعليم هو أداة المجتمع لتحقيق فلسفته وأهدافه وطموحاته المختلفة ، ومن ثم فإن التطوير في مجال التعليم له أهداف تربوية مهمة ترمي في مجملها إلى الانتقال نحو الأفضل والبحث عن البديل الأجود واتخاذ القرارات ذات الفاعلية الأكثر.

ولعل ما ينبغي علينا أن نؤكده هنا هو أن نقطة الانطلاق في عملية التطوير التربوي تبدأ من الاهتمام بالإدارة التربوية باعتبارها أحد أهم المبادئ الأساسية لعملية التطوير .

     إن أهم الملامح المميزة للفكر الإداري التربوي المعاصر هو الاقتناع بأن الإدارة التربوية جزء لا يتجزأ من العملية التعليمية، وهنا يمكن القول أن الإدارة لازمة للتربية لزومها للمؤسسات الأخرى، فهي أحد المرتكزات الأساسية التي يعول  عليها في تحقيق تلك المؤسسات لأهدافها، فالمؤسسات التربوية تتباين في تحقيق أهدافها تبعاً لفعالية الإدارة التربوية القائمة على شئونها.. ويرتبط بموضع الإدارة التربوية الحديث عن جانب من أهم جوانب العمل الإداري وهو الذي يتعلق بالقيادة الإدارية والسلوك القيادي.

     فالقيادة في العصر الحالي تعد من الموضوعات ذات الأهمية البالغة في أي منظمة أو مؤسسة ، ويميل البعض إلى القول بأن النجاح أو الفشل في أي مجال من مجالات العمل إنما يعزى في المقام الأول إلى عنصر القيادة، ولكن على الرغم من أهمية موضوع القيادة، وعلى الرغم من اهتمام الكثير من الدراسات بموضوع القيادة الإدارية إلا أن مفهوم القيادة مازال غامضاً لدى الكثيرين وهذا هو ما  دفعنا إلى ضرورة الحرص على البدء بالحديث عن معنى القيادة حتى يتضح هذا المفهوم في أذهاننا ومن ثم يكون من السهل بعد ذلك استيعاب كل ما يتعلق بالحديث عن "القيادة". ولنبدأ أولاً بالحديث عن معني القيادة:

معنى القيادة:
     تمارس القيادة درواً أساسياً في العمل الإداري من خلال التأثير على سلوك العاملين واتجاهاتهم، ومدى تفاعلهم مع الأهداف التي يأملون تحقيقها في مجال عملهم، فماذا تعني بالقيادة ؟.
     إن القيادة في اللغة تعني (تولى زمام الأمور وتوجيهها) والقائد هو الشخص الذي يوجه ويرشد ويهدي الآخرين إلى ما يجب عليهم أن يفعلوه، أما المعنى الاصطلاحي للقيادة فيمكن أن نتعرف عليه من خلال آراء بعض العلماء حول مفهوم القيادة، فقد عرف (إبراهيم مطاوع) القيادة بأنها عملية تأثير متبادل لتوجيه النشاط الإنساني في مجال معين لتحقيق أهداف مشتركة، كما عرف (محمد الرشيد) القيادة بأنها العملية التي يقوم من خلالها القائد بالتأثير  على مجموعة من الأفراد الذين يقودهم لحملهم على التعاون وتنسيق الجهود وحفزهم للعمل معاً بحماس ونشاط من أجل بلوغ أهداف مشتركة ومحددة للمؤسسة التي يعملون فيها  بأقصى درجة من الكفاءة والفاعلية. كما عرف  (طريف شوقي) القيادة بأنها: مجموعة السلوكيات التي يمارسها القائد في الجماعات والأفراد والتي تستهدف حث الأفراد على تحقيق الأهداف المنوطة بالجماعة بأكبر قدر من الفعالية التي تتمثل في كفاءة عالية في أداء الأفراد، مع توافر درجة كبيرة من الرضا، وقدراً عالياً من تماسك الجماعة.

     كذلك عرف (ليكرت) القيادة بأنها: "قدرة الفرد في التأثير على  شخص أو مجموعة وتوجيههم وإرشادهم من أجل كسب ثقتهم وحفزهم على العمل بأعلى درجة من الكفاية في سبيل تحقيق الأهداف الموضوعة". أما (فيدلر) فقد عرف القيادة بأنها الجهود المبذولة للتأثير في سلوك الناس من أجل الوصول إلى أهداف محددة.

  ومهما تعددت التعريفات حول معنى القيادة فإننا نستطيع أن نقول أن القيادة التربوية هي عبارة عن العنصر الإنساني الذي يستطيع أن يربط أفراد الجماعة بعضهم مع بعض ويحفزهم على تحقيق الأهداف المرجوة من خلال وجود القائد الفعال والمؤثر في أي منظمة تعليمية .وهنا نقول أن القائد الفعال هو الذي يجعل الآخرين يتصرفون على النحو المطلوب منهم من خلال استخدام عدد من الوسائل التي يستعين بها القائد في التأثير على الآخرين والتي يمكن حصرها فيما يلي:


1- قوة الإثابة (Reward power):
     ويتحدد مقدارها من خلال كمية الحوافز الإيجابية التي تستطيع القائد أن يمنحها للمرءوسين،     ويتطلب الاستخدام الفعال لقوة الإثابة أن يحدد القائد أي الإثبات أكثر قيمة بالنسبة لكل مرءوس فهل هي: المال، أم الاهتمام، أم التقدير.

2- قوة القسر (Coercive Power):
     وتكمن هذه القوة نم قدرة القائد على إنزال العقاب بالمرءوس إذا لم يستجب لما يصدره من أوامر   وتعليمات أو حين ينخفض مستوى أدائه.

3- قوة الشرعية (Legitimacy Power):
     وتتجسد في القيم التي يستدمجها التابع والتي تركز على أن القائد له حق شرعي في أن يؤثر عليه، ومن ثم يجب أن يتقبل هذا التأثير.

4- قوة التوحد (Identification Power):
     ينبع الإحساس بالتوحد مع القائد من التابع، ويقوم على أساس الإعجاب بالقائد والرغبة في التشبه به ويضفى مثل هذا الإحساس مزيدا من القوة للقائد يسمح بتعظيم تأثيره على التابع.

5- قوة الخبرة:
     وتعتمد على حيازة القائد لقدر مرتفع من الخبرة الفنية، وكم أكبر وأكثر تنوعا ودقة من المعلومات حول المهام الموكلة للجماعة مقارنة بمرءوسيه مما يجعلهم يشعرون دوما أنهم بحاجة إليه للاستفادة من رصيد خبراته في تذليل ما يواجههم من عقبات فضلا عن ترشيد أدائهم وتطويره.

 هذا فيما يتعلق بمعنى القيادة، فماذا عن السلوك القيادي؟
إن الفهم الأوفى لموضوع القيادة يتطلب منا أيضاً أن نتحدث عن موضوع وثيق الصلة به وهو (السلوك القيادي) الذي من خلاله تتحدد علاقة القائد بمرؤوسيه، ولقد حددت الدراسات عدداً من الأبعاد التي يمكن من خلالها وصف السلوك القيادي، وهذه الأبعاد هي:

1- التقدير:
      ويعرف بأنه ذلك السلوك الذي يعمل من خلاله القائد على إقامة علاقات طيبة ودافئة مع العاملين، وذلك من خلال قدرته على إشباع حاجاتهم والتعرف على مشكلاتهم والمساهمة في حلها من خلال إيجاد فرص للتواصل والتفاعل بينه وبين تابعيه

2- تنظيم بنية العمل:
     ويقصد به السلوك الذي ينتهجه القائد عند توزيع العمل وتوزيع الأدوار والمهام التي يقوم بها التابعين.

3- الحث على الإنتاج:
      ويقصد به السلوك الذي يقوم به القائد لتحديد المهام الواجب إجراؤها وحث المرؤوسين على إنجاز العمل وزيادة دافعيتهم للإنجاز وبذل المزيد من الجهد لزيادة الإنتاج.

4- الحساسية الاجتماعية:
     ويشير هذا البعد إلى مدى وعي القائد بأهمية العلاقات الاجتماعية وحساسيته للضغوط المحيطة بالتابعين وكيفية التخفيف منها.

وفي ضوء هذه الأبعاد توصلت الدراسات إلى نوعين من السلوك القيادي:
·       السلوك القيادي الذي يركز على العمل والمهام.
·       السلوك القيادي الذي يركز على الاعتبارات الإنسانية.

وبناء على ذلك فقد تم التمييز بين نوعين من القادة:

1- القائد الوجداني الاجتماعي:
    وهو يهتم بحل المشكلات الخاصة بتابعيه ويجيد التواصل معهم ويقدم لهم العون والمساندة النفسية والاجتماعية، ويعمل على تذليل الصعبات أمامهم وحل الصراعات التي قد تنشأ بينهم من أجل المحافظة على تماسك الجماعة.

2- قائد المهمة:
    وهو الذي يمارس الضغط المتزايد على تابعيه من أجل تحقيق الأهداف، ويهتم بإصدار الأوامر والتعليمات وتقديم المقترحات وكثرة الحديث عن العمل، وينهمك في كل الأنشطة المتعلقة بالعمل ويهمل التركيز على الجانب الاجتماعي في تعامله مع تابعيه.

وهنا لابد أن نشير إلى أن القائد الناجح هو الذي يجمع بين هذين النمطين معاً ولا يركز في سلوكه القيادي على نمط واحد من هذين النمطين.

* السمات المطلوب توافرها في القادة:
نتج عن الدراسات التي أجريت في مجال سمات القائد، قائمة تحوى عدداً كبيراً من السمات اللازمة للقادة، وحيث أننا بحاجة إلى استعراض أبرزها بشيء من التفصيل تبعا لأهميتها في فهم نسق القيادة فإننا سنعمل على تصنيف تلك السمات في ثلاث فئات تتضمن الخصال العامة التي يجب توفرها لدى القادة، وتتمثل تلك الفئات في:
·       سمات مزاجية وتشمل: (الاتزان الانفعالي ، تحمل المشقة ، المثابرة).
·       سمات عقلية وإبداعية وتتضمن: (الاستدلال ، المرونة العقلية ، الحساسية للمشكلات).
·       سمات اجتماعية وهي: (توكيد الذات، إقامة علاقة وثيقة مع الآخرين، القدرة على الإقناع).

وسنفرد الحديث فيما يلي لتناول هذه السمات بشيء من التفصيل:

أولاً: السمات المزاجية:
  ( أ ) الاتزان الانفعالي:
يعرف الاتزان الانفعالي (Emotional Stability) بأنه قدرة الفرد على التحكم في    انفعالاته، أو عدم المغالاة في الاستجابة للمواقف الانفعالية. وتتمثل أهمية تلك السمة في عدة نقاط هي:
1.    إنها تعد إحدى ركائز إقامة مناخ يتسم باستقرار العلاقات بين القائد وأتباعه.

2.    إن قدرة القائد على التحكم في انفعالاته وكبح جماح مشاعره بما يتناسب مع طبيعة الموقف يمكنه من تجنب الخلط بين المشكلات الخاصة التي يعانيها وبين علاقاته مع عاملين، مما يجنبهم الأضرار العديدة التي نلمسها في كثير من جماعات العمل جراء عجز القادة عن القيام بعملية الفصل هذه.

3.    يؤدى التقلب الانفعالي وما يصاحبه من تغيرات فسيولوجية حادة إلى إصابة الفرد (القائد) بالأمراض النفسجسمية مما يهدد صحته وينعكس بالتبعية سلبا على أسلوب تعامله مع أتباعه.

4.    إن هذا الاندفاع سيجعل من العسير على القائد أن يتخذ قرارات صائبة، لأن تفكيره العقلي سيتوقف ويشوش باندفاعاته تلك، فضلا عن أنه يحد من قدرته على الإمساك بزمام المبادأة في المواقف التي تواجهها.

5.    أن الأتباع قد يستغلون عجز القائد عن التحكم في انفعالاته بتوريطه في ارتكاب بعض الأفعال أو الحماقات التي تحسب عليه فيما بعد، ويزينون له الاندفاع للوقوع في الأخطاء.

(ب) القدرة على تحمل المشقة:
      يواجه كل شخص طوال حياته العملية أنواعا متعددة من المتاعب والمشكلات التي تتعلق بنوع العمل، ولعل ومن ثم فإن أهم ما يميز الأشخاص بالكفاءة من الناحية النفسية ليس مقدار ما يواجهونه من مشكلات، بل طريقة استجاباتهم لها، وقدرتهم على مواجهة تحدياتها دون يأس أو كلل أو ملل ومن هنا نقول أن القدرة على تحمل المشقة تشكل إحدى الصفات التي يجب أن يتحلى بها القائد، ذلك أنها تجعله قادرا على التفكير بشكل منظم والتصرف على نحو حاسم في الظروف العصبية التي يواجهها مما يمكنه من اجتياز الأزمة.
ولعل أهم مصادر المشقة التي تواجه القادة ما يلي:

1 - الإحباط:
   أن انخفاض مستوى ما لدى القائد من قدرات مقارنة بما تتطلبه طبيعة المهمة، وبشكل خاص في المهام الصعبة، يعجل بنمو الشعور بالعجز لديه عن قيادة فريق العمل.

2- الصراع:
   أن الصراعات التي يخوضها القائد سواء مع رؤسائه لإثبات هويته وتحديد معالم دوره والحصول على احتياجات جماعته، أو مع زملائه، أو مع مرءوسيه، والتي قد تنجم  عن تباين في وجهات النظر حول أنسب السبل لتحقيق المصلحة العامة، أو تكون ناتجة عن تعارض المصالح الخاصة لأطراف النزاع تعد من المصادر المولدة للمشقة.

3- الظروف الطبيعية القاسية:
   في بيئة العمل والتي تتمثل في درجات الحرارة المتطرفة بقطبيها وطول فترات العمل، وقصر فترات الراحة كل تلك الظروف تؤدي إلى عدم القدرة على تحمل المشقة.

4- الإرهاق البدني:
      سواء الناتج عن ضعف الحالة الصحية أم سوء الظروف المحيطة.

5- ضغط الوقت:
      يتجسد هذا المتغير في التعرض بصورة متكررة لإلحاح الإدارة لإنجاز المهام المطلوبة في فترة زمنية أقل من التي يتطلبها الأداء في الظروف العادية.

(ج) المثابرة:
   تشير المثابرة (Persistence) إلى قدرة الفرد على مواصلة أداء عمل ما أو تتبع هدف محدد لفترات طويلة من أجل تحقيقه على الرغم من الصعوبات والتحديات التي تحول دون إكمال العمل أو تحقيق الهدف. وتعد هذه القدرة من بين العناصر التي تميز المبدعين والمصلحين والقادة الذين يستطيعون أن يتعايشوا ويعيشوا مع الفكرة والمبدأ أو الهدف، ولا يتخلون عنه مهما واجههم من عقبات حتى يتمكنوا في النهاية من تحقيق الأهداف. وفي مجال القيادة فإن مثابرة القائد تمكنه من الإصرار على تحقيق أهداف المنظمة، أما انخفاض المثابرة تعني صعوبة أن يصبح مثل هذا الفرد قائدا فعالا لأن ذلك سيعني أنه كقائد لن يتابع تنفيذ الأفكار القيمة لديه، ومن ثم ستوأد هذه الأفكار في مهدها، ولن يستطيع أن يكمل أي مشروع بدأه.


ثانياً: السمات العقلية والإبداعية:
إن توفر قدر مناسب من القدرات العقلية (الذكاء العام) والإبداعية يعد شرطا لازما لأداء المهام القيادية بكفاءة، وعلى الرغم من وجود قدرات عقلية وإبداعية متعددة لدى القادة، إلا أن عرضنا سيقتصر على ثلاث من هذه القدرات فقط باعتبارها نماذج لأكثر تلك القدرات أهمية وهذه القدرات هي:

( أ ) الحساسية للمشكلات:
تعد الحساسية للمشكلات (Sensitivity of problems) إحدي القدرات الإبداعية التي تنطوي- على قدرة  (القائد) على رؤية الكثير من المشكلات في مواقف قد لا يري فيها فرد آخر أية مشكلات، أو قدرا أقل من تلك التي يراها القائد، وهي تعني القدرة على استشعار المشكلات التي تخفي على الآخرين. ويستطيع القائد الذي يحوز قدرا مرتفعا من هذه القدرة أن يكتشف العيوب والمثالب الموجودة في النظم التي يتعامل معها سواء كانت تتصل بالنظم الإدارية أو الفنية أو تتصل بأداء التابعين على النحو الذي يمكنه من إدخال المزيد من التحسينات عليها فيقلل العواقب السلبية التي تنجم عن هذه العيوب.

(ب) القدرة الاستدلالية:
إن التوصل إلى نتائج غير معروفة من مقدمات معروفة يعد لب عملية الاستدلال ويهتم التفكير الاستدلالى بتحليل المشكلة في اتجاهين: أولهما الوصول إلى جذورها، وثانيهما التنبؤ بما يمكن أن يترتب عليها.

والاستدلال إحدى القدرات النوعية للذكاء ويعد من أكثرها أهمية في مجال القيادة، فقدرة القائد على الاستدلال تمكنه من تحليل الأحداث والفصل بين السبب والنتيجة، وتتبع المقدمات وما تفضي إليه من نتائج مما يمكنه من تشخيص الموقف على نحو دقيق، فضلا عن أنها تجعله أكثر قدرة على التنبؤ بمسار الأحداث، وتمكنه أيضاً من توقع عواقب سلوكه ونتائج قراراته، والتحسب للأحداث القادمة واستقراءها من مؤشرات الأحداث الحالية.

(ج) المرونة العقلية:
     تعرف المرونة العقلية (Mental flexibility) بأنها ((القدرة على تغيير الوجهة الذهنية وتعديل السلوك والتكيف مع الظروف المتغيرة))، ويعد انخفاض تلك القدرة لدى بعض القادة من بين المشكلات المحورية التي تعاني منها منظماتنا، حيث يؤدي العجز عن تغيير وجهة النظر للمشكلة موضع الاهتمام بالفرد (القائد) إلى التصادم مع المشكلة، وهو الشيء الذي يجعل من التوصل إلى حل لها أمر بعيد المنال، وحين يعمم القائد ذلك المسلك في معالجته للمشكلات الناشئة بين الأفراد فإن إثارة التوتر والصراع داخل الجماعة يصبح أكثر احتمالاً.ويتغير الوضع بطبيعة الحال حين يتمتع القائد بقدر مرتفع من المرونة العقلية تمكنه من:
1.    القدرة على النظر للمشكلات الفنية في العمل من أكثر من زاوية، وما يترتب على ذلك من إمكانية اقتراح أو ابتكار أكثر من حل للمشكلة الواحدة، والقيام بمحاولات متعددة لتجربتها.

2.    القدرة على استيعاب وجهات نظر مخالفيه، والإيمان بحقهم في التعبير عن آرائهم، وتبنى استراتيجيات مبدئية للتعامل مع أتباعه والاستعداد لتعديل تلك الاستراتيجيات تبعا للتغير الذي يطرأ على كل منهم.

3.    تقبل التعديلات التي تطرأ على العمل ومحاولة اقتراح المزيد منها أيضاً. وإحداث تغيير مناظر في أسلوب تفكيره وطرق تعامله بما يمكنه من التكيف مع تلك المتغيرات؛ وبذا يزيد من احتمالات إيجاد حلول لما يواجهه من مشكلات سواء كانت في العلاقات، أو مع المهام، أو النظم التكنولوجية، ويقلل- في الوقت ذاته- من احتمال التناطح مع المشكلات والدخول في طرق مسدودة حيالها.

ثالثا السمات الاجتماعية:
    وتشتمل هذه السمات على القدرات التالية:
( أ ) توكيد الذات:
يشير السلوك المؤكد للذات إلى (قدرة الفرد على الدفاع عن حقوقه ضد من يحاول انتهاكها، والتعبير عن آرائه، سواء اتفقت أو اختلفت مع الطرف الآخر، والإفصاح عن مشاعره السلبية (نقد، غضب) أو الإيجابية (مدح، تقدير) للآخر، ومقاومة محاولات الآخرين لتوريطه أو للضغط عليه للرضوخ لمطالب غير معقولة). وهنا نجد أن القائد المؤكد لذاته يعتقد أن لكل الناس حقوقا متساوية في التعبير عن أنفسهم؛ مما يحدو به لتشجيع هؤلاء الأتباع على اقتراح الحلول والأفكار المبدعة، ويركز على الأهداف ويولى احتراما واهتماما مماثلا بمن ينجزونها، ويتقبل النقد من الآخر.

     ومما لا شك فيه أن مهارات توكيد الذات تعد أحد العناصر التي تحفظ للقائد هويته واستقلاليته وتعيين الحدود التي يجب على الآخرين مراعاتها، والإطار الواجب عليهم التحرك في أرجائه يبقى أن نشير إلى أن توكيد الذات لا يعني تضخم الذات لدي القائد على النحو الذي يجعله غير مبال بالآخرين ويتصرف حيالهم بصورة عدوانية، ذلك أن التوكيد يتمثل في الدفاع عن حقوق الفرد، أما الثقة المفرطة بالذات فتعني أن الفرد يستهين بالآخرين ولا يضع لهم وزنا أو اعتبارا.

(ب) القدرة على إقامة علاقة طيبة مع الآخرين:
أن القدرة على إقامة علاقة وثيقة مع الآخرين من بين المهارات الاجتماعية الأساسية المطلوب توافرها في القائد ليصبح فعالا، ومن المفترض أن تلك المهارة تتكون من أبعاد ثلاثة هي:
·       القدرة على بدء العلاقة.
·       القدرة على تحديد مستوى العلاقة.
·       القدرة على تعديل طبيعة العلاقة أو إنهائها في الوقت المناسب حين تصبح عبئا على القائد، وتشكل قيدا على حريته في التعامل مع الآخر، ويعجز عن استثمارها لصالح العمل.

ومن المسلم به أن القائد يتعامل مع كم متنوع من الأفراد منهم المرءوس، والزميل، والرئيس، وهو في كل الحالات مطالب بأن يقيم معهم علاقات ذات طابع إنساني تجعله أكثر قبولا لديهم، وتسهم في إقامة مناخ إيجابي يشجع هؤلاء الأفراد على بذل أقصى جهد لتحقيق أهداف المنظمة، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون لتلك العلاقات حدود بحيث لا تتعارض مع مصلحة العمل، إن تحقيق والحفاظ على هذا التوازن يتطلب وجود قدر مرتفع من تلك المهارات لدى القائد بحيث يتعامل مع الآخرين كصديق، ويصبح ألوفا ومحببا إليهم، ولا يتخلي في ذات الوقت عن المبادأة والحزم في العلاقة بحيث يكون لديه القدرة على تغيير مجراها حين تنحرف عن الهدف الذي أقيمت لأجله وهو تيسير تحقيق أهداف المؤسسة.

(ج) القدرة على الإقناع:
     ومن المفترض أن القائد، بوصفه حلقة الوصل بين المنظمة والأتباع (العاملين)، يعد أنسب الأطراف ملاءة لتحقيق مطالب العاملين والدفاع عنها لدى القيادات العليا لإقرارها وتنفيذها، وقد أصبح القيام بهذه المهمة المزدوجة أكثر صعوبة الآن نظراً لاحتياج القائد- إلى اللجوء إلى الوسائل الإقناعية، وليس القسرية، لإقناع مرءوسيه بأهداف المنظمة وخططها وما يطرأ على تلك الخطط من تعديلات، وضرورة الالتزام بالقواعد والنظم، وكيف أن حصولهم على احتياجاتهم وإشباع رغباتهم مرهون باتباعهم إياها، وفي المقابل فعلى مثل هذا القائد أن يكون لديه القدرة على تحقيق مطالبهم على نحو واضح لا يحتمل اللبس، حتى يسهل إقناع رؤسائه بهذه المطالب، وبذا ينظر إليه أتباعه على أنه يسخر علاقاته ونفوذه لدى رؤسائه لتحقيق ما يعود بالنفع عليهم كجماعة، ويدركه رؤساؤه على أنه قادر على إقناع أتباعه بأهداف المنظمة، وأنه موصل جيد لسياساتها وخططها مما يدعم من مكانته. هذا، عن أهمية القدرة على الإقناع لمن يشغل موقعا قياديا، ولكن مم تتشكل تلك القدرة، وكيف يمارسها القائد في الميدان؟
     إن القدرة على الإقناع تتطلب عناصر متعددة تتفاعل معا ويحدد نتاج ذلك التفاعل مستوى ما يملكه (القائد) من تلك القدرة، التي تتمثل أبرز عناصرها في:
1.    القدرة على التعبير اللغوي من حيث الطلاقة والبلاغة.
2.    القدرة على استخدام المهارات غير اللفظية في الحوار والتي تسمح بإرسال رسائل مزدوجة المعني أو لأكثر من شخص في أن واحد، والاستعانة بها في تقوية المعني حتى تسهم في دعم ما يقوله لفظيا، وفي هذا الصدد يشير الجاحظ إلى أن (الإشارة واللفظ شريكان، ونعم العون هي له ونعم الترجمان هي عنه وما أكثر ما تنوب عن اللفظ مرة، وإن حسن الإشارة باليد والرأس من حسن البيان باللسان).

3.    من بين العناصر الأخرى التي تزيد من قدرة القائد على الإقناع أن يكون معدل سرعة حديثه مناسبا حتى ينتبه إليه المستمع ويتمكن من متابعته وفهم ما يقول.

4.    أن يحرص على أن يتضمن حديثه أمثلة عينية ملموسة تقرب المعني إلى الطرف الآخر.
5.    أن يعتمد على أسلوب المراجعة والتلخيص فالناس لا تستوعب ذاكرتها التفصيلات الكثيرة.

6.    أن يكون قادراً على التفاوض، وأن يعي جيدا القوانين التي تحكم هذه العملية ويوظف هذا الوعي في ممارساته التفاوضية مع جميع المستويات التي يتعامل معها.


     بعد أن عرضنا للسمات الواجب توافرها في القائد، ننتقل إلى الحديث عن الصعوبات التي يمكن أن تعوق القائد عن القيام بمهامه القيادية أو ما يعرف بأمراض القيادة.

المشكلات التي يمكن أن تؤثر على عمل القائد:
   هناك مجموعة من المشكلات التي يمكن أن تسبب تحدياً لعمل القائد، والتي يمكن أن تعوق القادة عن القيام بمهامهم خير قيام، ومن أهم هذه المشكلات:
1.    مشكلات تتصل بإدارة الجوانب الفنية للعمل.
2.    مشكلات تتصل بعملية اتخاذ القرار.
3.    مشكلات تتصل بالعلاقات الإنسانية.
4.    مشكلات تتصل بعلاقة الرؤساء الحاليين بالسابقين.
5.    مشكلات خاصة بإدارة الوقت.
6.    مشكلات تتعلق بتطبيق القوانين واللوائح.
7.    مشكلات خاصة بعملية التواصل.
8.    مشكلات تتعلق بالجوانب القيمية والأخلاقية.

     ويمكن أن نوجز أهم الأسباب التي يمكن أن تؤدي إلى مشكلات القيادة فيما  يلي:
1.    نقص الخبرة.
2.    ضعف المهارات الاجتماعية للقائد.
3.    الخوف من تحمل المسئولية.
4.    ضعف القدرة على تشخيص المواقف.
5.    القيود أو المعوقات التنظيمية.
6.    عدم مرونة السلوك القيادي.
7.    عدم الثقة بالنفس وبالآخرين.

ونظر لأهمية الثقة بالنفس وبالآخرين فيما يتعلق بعمل القائد فسوف نحاول فيما يلي أن نتحدث بشئ من التفصيل عن أهمية الثقة بالنفس لمن يتولون مناصب قيادية:

القيادة الإدارية والثقة بالنفس:
     إن الثقة بالنفس وبالآخرين هي مفتاح النجاح في الحياة، وبدون هذه الثقة لن يستطيع الإنسان أياً كان (قائداً أوتابعاً) أن ينجح في التعامل مع الناس، وبدونها أيضاً لن يستطيع الإنسان أن يحقق أهدافه في الحياة ، لماذا ؟ لآن الثقة بالنفس تكسب الإنسان الحيوية، والشجاعة، والتركيز، والإبداع، وصواب الحكم على الأشياء، وضبط النفس، والتواضع، فإذا فقد الإنسان ثقته بنفسه أو بالآخرين سيكون الإحباط، والقلق، والتوتر، وفتور الهمة، بديلاً عن الحيوية، والتركيز، والإبداع والتحمس والمبادأة. وغير ذلك من الصفات التي تتصف بها النفس السوية الواثقة بذاتها.

     لذلك اعتبر نجاح القائد مرهون ببناء الثقة بالنفس واكتساب ثقة الآخرين لأن بناء الثقة يساعد على إيجاد الولاء، ويزيد من تكرار التفاعلات الإيجابية، ويساعد على نشر المحبة بين الناس، وهذه أمور أساسية لتحقيق الإنجاز والنجاح لأي عمل، أو لأي مؤسسة سواء كانت مؤسسة إنتاجية أو خدمية أو تربوية.

     من هنا كان بناء الثقة وتدعيمها وتقويتها أمراً مهماً لكل من يشغل منصباً قيادياً حتى يتحقق لصاحب هذا المنصب القيادي القدرة على إنجاز العمل وتحقيق الأهداف، وطالما أن الأمر كذلك دعونا  نتحدث أولاً عن معنى الثقة بالنفس والثقة بالآخرين، ومفهوم الثقة ثم نوضح بعد ذلك المبادئ الأساسية لزرع الثقة بالنفس وبالآخرين .

ماذا نعني بالثقة بالنفس، والثقة بالآخرين؟
إن تعريفات الثقة بالنفس كثيرة ومتنوعة، ولكن دعونا نختار الأسهل والأبسط منها حتى تكون الفائدة أعم، فالثقة بالنفس من وجهة نظري (هي مزيج من الفكر والشعور بالرضا تجاه النفس) بمعني أن يشعر الإنسان تجاه نفسه بالرضا التام في مختلف الميادين التي يتفاعل معها سواء كان ذلك داخل الأسرة أو في محيط العمل، أو مع الأصدقاء، فالإنسان الواثق في نفسه هو ذلك الشخص الذي يشعر بشكل عام ودائم أنه إيجابي وقادر على المشاركة مع من يتعامل معهم في إنجاز كل ما يؤدونه من أعمال بطريقة جيدة وفي الوقت المحدد وبحماس يلقى حماساً من المحيطين به.

هذا عن الثقة بالنفس، فماذا عن معنى الثقة في الآخرين، أن الثقة بالآخر في أبسط تعريف لها هي الاعتماد التام على قدرات شخص ما والتسليم بقدرته على إنجاز المهام وتنفيذ الالتزامات. وهنا يجب أن نفرق بين (الثقة) و(الغرور) لآن الفرق بينهما شاسع، فالقائد المغرور قد يبدو للآخرين وثقاً بنفسه ولكن واقع الأمر أن غروره يغطي به قلقاً نفسياً دفينا، ونقيض المغرور، الشخص الذي يعطي نفسه قدراً أقل من الحقيقة، ولا نقصد بذلك طبعاً (المتواضع) ولكن نقصد الشخص الذي يحط من قدر نفسه، والحقيقة أن كلا الشخصين بعيدان عن الثقة بالنفس، لآن المغرور يخسر عن طريق المبالغة، والذي يحط من قدر نفسه يخسر عن طريق إهمال النفس.

 والغرور ليس ثقة بالنفس مبالغاً فيها كما يدعي البعض، بل أن الغرور هو ثمرة رديئة لتقدير زائف عن شخصية المرء. أما  الشخص الذي نعنيه وهو (الواثق في نفسه) فهو يقع وسطاً بين الاثنين ويحقق شرطاً لا يتحقق في كلا الشخصين وهو شرط معرفة النفس حق معرفتها وتقديرها حق قدرها، وهذا الشخص الذي يعرف نفسه ويقدرها حق قدرها هو الشخص الواثق في نفسه والقادر على الاتزان النفس.


 








وإذا كنا قد أوضحنا أن الثقة بالنفس أمر مهم للنجاح في الحياة فإن علينا أن نعلم أيضاً أن النجاح وسيلة مهمة لتدعيم الثقة بالنفس، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما القواعد التي يجب الالتزام بها لاكتساب الثقة بالنفس؟
أن علماء النفس حددوا أربع قواعد يجب الانطلاق منها لاكتساب الثقة بالنفس والعمل على تدعيمها، وهذه القواعد هي:

القاعدة الأولى:
وهي تتمثل في ضرورة الاعتدال في الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها، وأن تكون هذه الأهداف في إطار القدرات والإمكانات والاستعدادات التي يتمتع بها الفرد.

القاعدة الثانية:
وهي أن نتعلم كيف نعامل الناس؟ فالناس يحبون دائماً التعامل مع الشخص الذي يعطيهم اهتماماً وتقديراً، وأن يمنحهم الحب والود، فيلتفون حوله، ويعضدون موافقة وهذا يزيد من ثقة الشخص في نفسه ويقوده من نجاح إلى نجاح.
وهذا ما فعله رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وهو في سبيله لنشر دعوته، واسمعوا قول الله عز وجل حينما خاطبه قائلاً: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لا نفضوا من حولك).

القاعدة الثالثة:
 تتمثل في أنك من أجل اكتساب ثقتك بنفسك عليك الاعتناء  بمظهرك جيداً، واحرص على أن يكون صوتك، وإشاراتك، وتعبيراتك، وطريقة كلامك، وسائر تصرفاتك، تتسم بالأناقة، واللباقة، واللياقة، فهذه من الأمور التي يكون لها صدى طيباً فيمن تتعامل معهم مما سينعكس عليك بالمزيد من الثقة بالنفس، وهناك العديد من الدراسات التي أثبتت أن السمات الخارجية الطيبة، والمظهر الجيد يزيد من بث الثقة بالنفس.

القاعدة الرابعة:
 تتمثل في اختيار الأصدقاء الذين يثقون بك، لأنك إذا وجدت إنساناً يثق بك فإن هذا الإنسان يرفع درجة ثقتك بنفسك، وخير من تتخير لصحبتك أحد الشخصين:
شخص واثق بنفسه، أو شخص واثق بك، فإذا اجتمعت الصفتان في شخص واحد فاتخذه صديقاً حميماً، وشاوره في أمرك، واحرص على مرافقته.

     أن الشيء المهم هنا هو أننا نكتسب ثقتنا بأنفسنا من ثقة الناس فينا، لماذا؟ لأن مشاعر وأحاسيس الناس نحونا تنعكس على قوامنا النفسي بطريقة لا شعورية، فهناك علاقات متينة (قد تكون حسية) بين كل واحد منا وبين الناس الذين نتعامل معهم ونقيم معهم علاقات. فإذا كانت عواطف الناس نحونا عواطف إيجابية فإن التفاعلات التي تحدث بيننا ستكون تفاعلات إيجابية بمعنى أن الحصيلة الناتجة عن تلك التفاعلات ستكون مؤيدة لقوامنا النفسي فينشأ عن ذلك ما يسمى (الثقة بالنفس).

السلوك القيادي وعلاقته بالروح المعنوية:
     يعد مفهوم (الروح المعنوية) من المفاهيم النفسية المجردة التي تجعلنا نشعر بمعانيها بشكل أكبر من التعبير الكلامي عنها، ولأن مفهوم الروح المعنوية يعد من المفاهيم الغامضة نسبياً في مجال علم النفس، فقد تعددت التعريفات التي تعرضت لتوضيح معنى هذا المفهوم وسنحاول فيما يلي تقديم بعض هذه التعريفات علنا نلقي بمزيد من الضوء حول هذا المفهوم وكيفية تأثر الروح المعنوية للعاملين بسلوك القائد وانعكاس ذلك كله على الأداء والرضاء المهني عن العمل.

     لقد عرف (ديفيز) الروح المعنوية بأنها "اتجاهات العاملين كمجموعة نحو أحوال بيئتهم العملية ونحو تعاونهم التلقائي بأقصى ما تسمح به قدراتهم لصالح الهيئة التي يعملون فيها".
     كما عرفها (محمد زيدان) بأنها "اتجاه عقلي يدفع الفرد على  التعاون الإيجابي مع الزملاء والقائد والتحمس لتحقيق أهداف الجماعة والإحساس بالسعادة في العمل وعدم الرغبة في تغييره".
     بينما يرى (زكي هاشم) أن مفهوم الروح المعنوية يقصد به "بث روح الفريق بين المرؤوسين وتنمية روح التعاون بينهم بما يكفل تحقيق الهدف المشترك وتنمية روح التعاون الاختياري بين أفراد القوى العاملة".
     أما (شفيق رضوان) فعرف الروح المعنوية على أنها "الاستعداد الطبيعي والمكتسب الذي يدفع الفرد إلى الإقبال بحماس على مشاركة زملائه في نشاطهم، ومن ثم فهو يتعلق بشعور الأفراد بعضهم نحو بعض، وشعورهم نحو رؤسائهم ومرؤوسيهم ونحو المجتمع الذي ينتمون إليه".
     ويمكن أن نستدل من هذا التعريفات على ما يلي:
1.    إن الروح المعنوية مفهوم نفسي مجرد فهو يتعلق بالمشاعر والأحاسيس.
2.    أن الروح المعنوية ترتبط بالرضا عن بيئة العمل المادية وغير المادية.
3.    أن الروح المعنوية تتعلق برضا الأفراد عن علاقاتهم ببعضهم البعض والتي لا بد وأن تسودها روح الاحترام المتبادل والتفاهم والتآزر والتماسك.
4.    أن الروح المعنوية تتعلق بالرضا عن علاقات الأفراد بقائدهم وإتاحته لقنوات الاتصال معهم.
5.    إن الروح المعنوية تتضمن الرضا عن أهداف العمل والرضا عن القائمين على إدارته وعن القائد المسئول عن هذا العمل.
6.    إن ارتفاع الروح المعنوية له مردوده الإيجابي على أداء الأفراد وإنتاجيتهم.
7.    إن انخفاض الروح المعنوية له مردودة السلبي على أداء الأفراد وإنتاجيتهم.

وتنبع أهمية الروح المعنوية من ارتباطها المباشر بمشاعر العاملين واتجاهاتهم نحو ما يمارسونه من أعمال، وهو أمر لا يقل عن أثر العوامل المادية في الرضا عن العمل وعن كفاءة الإنتاج. ومما يزيد من تلك الأهمية،  تأثير الروح المعنوية في سلوك العاملين وعلى أدائهم لأعمالهم، الأمر الذي يتطلب ضرورة توفير بيئة عملية ملائمة تعمل على رفع الروح المعنوية ، إلى جانب ضرورة التعرف على الأسباب المؤدية إلى انخفاض الروح المعنوية لتلافيها أو العمل على مواجهتها والتخلص منها.
     ونظراً لما للعلاقات الإنسانية من أهمية في بث روح العمل في  العاملين ورفع روحهم المعنوية وتقريب المسافات بين المرؤوسين والقائد وبين الفرد ورفاقه في العمل كان لابد أن يسعى القائد لتحقيق أهداف العمل من خلالها فلا يتوقف عند الاعتبارات المادية والعلاقات الرسمية، بل لابد أن يتعدى تلك الحدود ويهتم بالأبعاد الإنسانية والنفسية لتابعية كمدخل لرفع الروح المعنوية. ولقد حدد (لطفي بركات) عدداً من النقاط التي يستطيع القائد من خلالها أن يطبق العلاقات الإنسانية تطبيقاً فعلياً منها:
1.    فهم الذات  الإنسانية: ويتضمن ذلك فهم دوافع الأفراد وميولهم واتجاهاتهم ونواحي القوة والضعف في سلوكهم فيما يتعلق بتفاعلهم مع الآخرين.
2.    تكوين فلسفة خاصة تجاه العاملين كبشر ويتضمن ذلك اعتناق مجموعة من القيم والمعايير الأخلاقية التي تؤكد إنسانية الإنسان وكرامته وآدميته.
3.    ضرورة الاهتمام بالعلاقات الإنسانية في محيط العمل. ويتضمن ذلك تقييماً للمشكلات الإنسانية في مجال العمل والمشاركة في حلها.
4.    ضرورة المواءمة بين الاحتياجات الإنسانية للعاملين ومتطلبات العمل.

كيف يؤثر القائد في رفع الروح المعنوية  للأعضاء:
     تشير الكثير من الدراسات التي أجريت في مجال القيادة إلى أن اهتمام القائد في أي مجال من مجالات العمل يتركز حول محورين أساسيين:
     أولهما : تحقيق أهداف التنظيم أو العمل.
     وثانيهما: تحقيق قدر عال من الروح المعنوية للأفراد العاملين تحت قيادته.
     ولذلك كان على القائد التربوي الذي يرغب في أن يكون ناجحاً في عملة أن يحرض على تحقيق ما يلي :
1.    أن يدرك أهداف العمل إدراكاً تاماً ويوضحها لتابعية.
2.    أن  يعمل على إتاحة الفرص اللازمة لتحقيق التنمية المهنية للأفراد.
3.    أن تكون قراراته مرتبطة بأهداف العمل ومؤديه إلى تحقيق تلك الأهداف بأسلوب جيد.
4.    أن يغرس في تابعية الشعور بأن تحقيق أهداف العمل هو تحقيق لأهدافهم. وبهذا يستطيع كسب تعاون جماعته وإقناعهم بأن تحقيق أهداف المنظمة هو تحقيق لأهدافهم ويعمل فعلاً على تحقيق هذا التوافق والتجانس بين حاجات الجماعة وحاجات التنظيم.
5.    أن يرتكز سلوكه على البعد الإنساني الذي يهتم بإنسانية الإنسان ويراعي أدميته ومشاعره ولا يرتكز على الاتجاه الأوتوقراطي في التعامل مع تابعية.
6.     أن يسلك وفقا للقيادة الديمقراطية التي تعينه على رفع مستوى الروح المعنوية للأفراد فالقائد الذي يهتم بإشراك العاملين في رسم سياسة العمل وفي تبصيرهم بالأهداف وإقناعهم بأنها أهدافهم الشخصية والذي يعمل على حل مشكلات العاملين ويهتم بهم كأفراد ،ويحفزهم ويشجعهم على العمل وينشئ علاقات طيبة معهم. سيسهم مساهمة إيجابية في رفع الروح المعنوية لديهم.

     إن الاعتماد على أسلوب العلاقات الإنسانية الطيبة والذي يقوم على الاهتمام بالإنسان كإنسان وليس كترس في آلة من شانه أن يوطد الصلات بين القائد وتابعية من خلال مد قنوات الاتصال وإقامة جسور للصداقة ،وبث روح الفريق في العاملين وتوفير مناخ   الثقة والتعاون والاحترام وهذه كلها أمور تنعكس على اتجاهات العاملين نحو العمل وبالتالي تنعكس على روحهم المعنوية انعكاساً إيجابياً ،الأمر الذي يساعد في زيادة دافعيتهم نحو العمل من جهة، وفي رفع روحهم المعنوية من جهة أخرى".

أهم مظاهر الروح المعنوية المرتفعة:

1.    انتشار روح الفريق بين جمع العاملين.
2.     وجود قدر عال من التماسك وتضامن بين كافة الأفراد.
3.    انخفاض فرص النزاع والصراع بين العاملين ليحل بدلا منها فرص التفاعل والتواصل الجيد بين العاملين.
4.    وجود أهداف مشتركة تعمل كل جماعات العمل والإدارة من أجل تحقيقها بأعلى كفاية وإنتاجية ممكنة.
5.    ذيوع الشعور بالانتماء بين جميع العاملين.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق